فصل: حوادث سنة اثنتين وثمانين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر فتنة تاكرنا

وفيها هاجت فتنة تاكرنا بالأندلس وخلع بربرها الطاعة وأظهروا الفساد وأغاروا على البلاد وقطعوا الطريق فسير هشام إليهم جندًا كثيفًا عليهم عبد القادر بن أبان بن عبد الله مولى معاوية بن أبي سفيان فقصدوها وتابعوا قتال من فيها إلى أن أبادوهم قتلًا وسبيا وفر من بقي منهم فدخل في سائر القبائل وبقيت كورة تاكرنا وجبالها خالية من الناس سبع سنين‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم وغزا الشاتية سليمان بن راشد ومعه البند بطريق صقلية‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي‏.‏

وفيها فوض الرشيد أمور دولته كلها إلى يحيى بن خالد البرمكي‏.‏

وفيها وصل الفضل بن يحيى إلى خراسان وغزا ما وراء النهر من بخارى فحضر عنده صاحب أشروسنة وكان ممتنعًا وبنى الفضل بخراسان المساجد والرباطات‏.‏

وفيها توفي عبد الوارث بن سعيد والمفضل بن يونس وجعفر بن سليمان الضبعي‏.‏

 حوادث سنة تسع وسبعين ومائة

وفيها سير هشام صاحب الأندلس جيشًا كثيفًا عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث إلى جليقية فساروا حتى انتهوا إلى استرقة وكان أذفونش ملك الجلالقة قد جمع وحشد وأمده ملك البشكنس وهم جيرانه ومن يليهم من المجوس وأهل تلك النواحي فصار في جمع عظيم فأقدم عليه عبد الملك فرجع أذفونش هيبة له وتبعهم عبد الملك يقفوأثرهم ويهلك كل من تخلف منهم فدوخ بلادهم وأوغل فيها وأقام فيها يغمن ويقتل ويخرب وهتك حريم أذفونش ورجع سالمًا‏.‏

وكان قد سير هشام جيشًا آخر من ناحية أخرى فدخلوا أيضًا على ميعاد من عبد الملك فأخربوا ونهبوا وغمنوا فلما أرادوا الخروج من بلاد العدواعترضهم عسكر للفرنج فنال منهم وقتل نفرًا من المسلمين ثم تخلصوا وسلموا وعادوا سالمين سوى من قتل منهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

فيها عاد الفضل بن يحيى من خراسان فاستعمل الرشيد منصور بن يزيد بن منصور الحميري خال المهدي واعتمر الرشيد في شهر رمضان شكرًا لله تعالى على قتل الوليد بن طريف وعاد إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج وحج بالناس ومشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات

وفيها خرج بخراسان حمزة بن أترك السجستاني‏.‏

وفيها توفي حماد بن زيد درهم الأظدي ولاهم أبوإسماعيل ومالك بن أنس الأصبحي الإمام أستاذ الشافعي‏.‏

وفيها توفي مسلم بن خالد الزنجي أبوعبد الله الفقيه المكي وصحبه الشافعي قبل مالك وأخذ عنه الفقه وإمنا قيل له الزنجي لأنه كان أبيض مشربًا بحمرة وعباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري وأبوالأحوص سلام بن سليم الحنفي سلام بتشديد اللام‏.‏

 حوادث سنة ثمانين ومائة

  ذكر وفاة هشام

وفيها مات هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان صاحب الأندلس في صفر وكانت إمارته سبع سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام وقيل تسعة أشهر وقيل سبعة أشهر وكان عمره تسعًا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وكنيته أبوالوليد وكانت أمه أم ولد‏.‏

كان أبيض أشهل مشربًا بحمرة بعينيه حول وخلف خمسة بنين وكان عاملًا حازما ذا رأي وشجاعة وعدل خيرا محبًا لأهل الخير والصلاح شديدًا على الأعداء راغبًا في الجهاد‏.‏

ومن أحسن عمله أنه أخرج مصدقًا يأخذ الصدقة على كتاب الله وسنة نبيه أيام ولايته وهوالذي تمم بناء الجامع بمدينة قرطبة وكان أبوه قد مات قبل فراغه منه وبنى عدة مساجد معه وبلغ من عز الإسلام في أيامه وذل الكفر أن رجلًا مات في أيامه فأوصى أن يفك أسير من مسلمين من تركته فطلب ذلك فلم يوجد في دار الكفار أسير يشتري ويفك لضعف العدو وقوة المسلمين‏.‏

ومناقبه كثيرة قد ذكرها أهل الأندلس كثيرا وبالغوا حتى قالوا كان يشبه في سيرته بعمر بن عبد العزيز رحمه الله‏.‏

  ذكر ولاية ابنه الحكم ولقبه المنتصر

ولما مات استخلف بعده ابنه الحكم وكان الحكم صارما حازما وهوأول من استكثر من المماليك بالأندلس وارتبط الخيل ببابه وتشبه بالجبابرة‏.‏

وكان يباشر الأمور بنفسه وكان فصيحا شاعرا ولما ولي خرج عليه عماه سليمان وعبد الله وكان في بر العدوة الغربية فعبر عبد الله البلنسي إلى الأندلس فتولى بلنسية وتبعه أخوه سليمان وكان بطنجة وأقبلا يؤلبان الناس على الحكم ويثيران الفتنة فتحاربوا مدة والظفر ثم إن الحكم ظفر بعمه سليمان فقتله سنة أربع وثمانين ومائة وأما عبد الله فأقام ببلنسية وقد كف عن الفتنة وخاف فراسل الحكم في الصلح فأجابه إلى ذلك فوقع الصلح بينهما سنة ست وثمانين وزوج أولاد عبد الله بأخواته وسكنت الفتنة‏.‏

ولما اشتغل الحكم بالفتنة مع عميه اغتمن الفرنج الفرصة فقصدوا بلاد الإسلام وأخذوا مدينة برشلونة واتخذوها دارا ونقلوا أصحابهم إليها وتأخرت عساكر المسلمين عنهأن وكان أخذها سنة خمس وثمانين ومائة‏.‏

  ذكر غزو الفرنج بالأندلس

في هذه السنة سير الحكم صاحب الأندلس جيشًا مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج فدخل البلاد وبث السرايا ينهبون ويقتلون ويحرقون البلاد وسير سرية فجازوا خليجًا من البحر كان الماء قد جزر عنه وكان الفرنج قد جعلوا أموالهم وأهليهم وراء ذلك الخليج ظنًا منهم أن أحدًا لا يقدر أن يعبر إليهم فجاءهم ما لم يكن في حسابهم فغمن المسلمون جميع مالهم وأسروا الرجال وقتلوا منهم فأكثروأن وسبوا الحريم وعادوا سالمين إلى عبد الكريم‏.‏

وسير طائفة أخرى فخربوا كثيرًا من بلاد فرنسية وغمن أموال أهلهأن وأسروا الرجال فأخبره بعض الأسرى أن جماعة من ملوك الفرنج قد سبقوا المسلمين إلى واد وعر المسلك على طريقهم فجمع عبد الكريم عساكره وسار على تعبئة وجد السير فلم يشعر الكفار إلا وقد خالطهم المسلمون فوضعوا السيف فيهم فانهزموا وغنم ما معهم وعاد سالمًا هو ومن معه‏.‏

  ذكر ولاية علي بن عيسى خراسان

وفيها عزل الرشيد منصور بن يزيد عن خراسان واستعمل عليها علي بن عيسى بن ماهان فوليها عشر سنين وفي ولايته خرج حمزة بن أترك الخارجي أيضا فجاء إلى بوشنج فخرج إليه عمرويه بن يزيد الأزدي وكان على هراة في ستة آلاف فقاتله فهزمه حمزة وقتل من أصحابه جماعة ومات عمرويه في الزحام فوجه علي بن عيسى ابنه الحسين في عشرة آلاف فلم يحارب حمزة فعزله وسير عوضه ابنه عيسى بن علي فقاتل حمزة فهزمه حمزة فرده أبوه إليه أيضا فقاتله بباخرز وكان حمزة بنيسابور فانهزم حمزة وبقي أصحابه وبقي في أربعين رجلا فقصد قهستان‏.‏

وأرسل عيسى أصحابه إلى أوق وجوين فقتلوا من بها من الخوارج وقصد القرى التي كان أهلها يعينون حمزة فأحرقها وقتل من فيها حتى وصل إلى زرنج فقتل ثلاثين ألفًا ورجع وخلف بزرنج عبد الله بن العباس النسفي فجبى الأموال وسار بها فلقيه حمزة بأسفزار فقاتله فصبر له عبد الله ومن معه من الصغد فانهزم حمزة وقتل كثير من أصحابه وجرح في وجهه واختفى هو ومن سلم من أصحابه في الكروم ثم خرج وسار في القرى يقتل ولا يبقي على أحد‏.‏

وكان علي بن عيسى قد استعمل طاهر بن الحسين على بوشنج فسار إليه حمزة وانتهى إلى مكتب فيه ثلاثون غلامًا فقتلهم وقتل معلمهم وبلغ طاهرًا الخبر فأتى قرية فيها قعد الخوارج وهم الذين لا يقاتلون ولا ديوان لهم فقتلهم طاهر وأخذ أموالهم وكان يشد الرجل منهم في شجرتين ثم يجمعهما ثم يرسلهما فتأخذ كل شجرة نصفه فكتب القعد إلى حمزة بالكف فكف وواعدهم وأمن الناس مدة وكانت بينه وبين أصحاب علي بن عيسى حروب كثيرة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها سار جعفر بن يحيى بن خالد إلى الشام للعصبية التي بها ومعه القواد والعساكر والسلاح والأموال فسكن الفتنة وأطفأ النائرة وعاد الناس إلى الأمن والسكون‏.‏

وفيها أخذ الرشيد الخاتم من جعفر بن عيسى فدفعه إلى أبيه يحيى بن خالد‏.‏

وفيها ولى جعفرًا خرسان وسجستان ثم عزله عنها بعد عشرين ليلة واستعمل عليها عيسى بن جعفر وولى جعفر بن يحيى الحرس‏.‏

وفيها هدم الرشيد سور الموصل بسبب العطاف بن سفيان الأزدي سار إليها بنفسه وهدم سورها وأقسم ليقتلن من لقي من أهلها فأفتاه القاضي أبويوسف ومنعه من ذلك وكان العطاف قد سار عنها نحوأرمينية فلم يظفر به الرشيد ومضى إلى الرقة فاتخذها وطنًا‏.‏

وفيها عزل هرثمة بن أعين عن إفريقية واستقدمه إلى بغداد واستخلفه جعفر بن يحيى على الحرس‏.‏

وفيها كانت بمصر زلزلة عظيمة سقط منها رأس منارة الاسكندرية‏.‏

وفيها خرج حراشة الشيباني بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار العقيلي‏.‏

وفيها خرجت المحمرة بجرجان‏.‏

وفيها عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان ووليها عبد الله بن خازم وولي سعيد بن سلم الجزيرة وغزا الصائفة محمد بن معاوية بن زفر بن عاصم‏.‏

وفيها سار الرشيد إلى الحيرة وابتنى بها المنازل فأقطع أصحابه القطائع فثار بهم أهل الكوفة وأساؤوا مجاورته فعاد إلى بغداد‏.‏

وفيها استعمل الرشيد على الموصل يحيى بن سعيد الحرشي فأساء السيرة في أهلها وظلمهم وطالبهم بخراج سنين مضت فجلا أكثر أهل البلد‏.‏

وفي هذه السنة توفي المبارك بن سعيد الثوري أخوسفيان وسلمه الأحمر وسعيد بن خيثم وأبوعبيدة عبد الوارث بن سعيد وعبد العزيز بن أبي حازم وتوفي وهوساجد وأبوضمرة أنس عن عياض الليثي المدني‏.‏

وفيها أمر الرشيد ببناء مدينة عين زربة وحصنها‏.‏

وسير إليها جندًا من أهل خراسان وغيرهم فأقطعهم بها المنازل‏.‏

 حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة

  ذكر ولاية محمد بن مقاتل إفريقية

وفي هذه السنة استعمل الرشيد على إفريقية محمد بن مقاتل بن حكيم العكي لما استعفى منها هرثمة بن أعين على ما ذكرناه سنة سبع وسبعين ومائة وكان محمد هذا رضيع الرشيد فقدم القيروان أول رمضان فتسلمها وعاد هرثمة إلى الرشيد فلما استقر فيها لم يكن بالمحمود السيرة فاختلف الجند عليه واتفقوا على تقديم مخلد بن مرة الأزدي واجتمع كثير من الجند

والبربر وغيرهم فسير إليه محمد بن مقاتل جيشا فقاتلوه فانهزم مخلد واختفى في مسجد فأخذ وذبح‏.‏

وخرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي في جمع كثير وساروا إلى القيروان في رمضان سنة ثلاث وثمانين وخرج إليه محمد بن مقاتل العكي في الذين معه فاقتتلوا بمنية الخيل فانهزم ابن العكي إلى القيروان وسار تمام فدخل القيروان وأمن ابن العكي على أن يخرج عن إفريقية فسار في رمضان إلى طرابلس‏.‏

فجمع إبراهيم بن الأغلب التميمي جمعًا كثيرا وسار إلى القيروان منكرًا لما فعله تمام فلما قاربها سار عنها إلى تونس ودخل إبراهيم إلى القيروان وكتب إلى محمد بن مقاتل يعلمه الخبر جمعًا وسار إلى القيروان ظنًا منه أن الناس يكرهون محمدًا ويساعدونه عليه‏.‏

فلما وصل قال ابن الأغلب لمحمد‏:‏ إن تمامًا انهزم مني وأنا في قلة فلما وصلت إلى البلاد تجدد له طمع لعلمه أن الجند يخذلونك والرأي أن أسير أنا ومن معي من أصحابي فنقاتله ففعل ذلك وسار إليه فقاتله فانهزم تمام وقتل جماعة من أصحابه ولحق بمدينة تونس فسار إبراهيم ابن الأغلب إليه ليحصره فطلب منه الأمان فأمنه‏.‏

لما استقر الأمر لمحمد بن مقاتل ببلاد إفريقية وأطاعة تمام كره أهل البلاد ذلك وحملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب منه ولاية إفريقية فكتب إليه في ذلك وكان على ديار مصر كل سنة مائة ألف دينار تحمل إلى إفريقية معونة فنزل إبراهيم عن ذلك وبذل أن يحمل كل سنة أربعين ألف دينار فأحضر الرشيد ثقاته واستشارهم فيمن يوليه إفريقية و

ذكر لهم كراهة أهلها ولاية محمد بن مقاتل فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب وذكر له ما رآه من عقله ودينه وكفايته وأنه قام بحفظ إفريقية على ابن مقاتل فولاه الرشيد في المحرم سنة أربع وثمانين ومائة فانقمع الشر وضبط الأمر وسير تماما وكل من يتوثب الولاة إلى الرشيد فسكنت البلاد وابتنى مدينة سماها العباسية بقرب القيروان وانتقل إليها بأهله وعبيده‏.‏

وخرج عليه سنة ست وثمانين ومائة رجل من أبناء العرب بمدينة تونس اسمه حمديس فنزع السواد وكثر جمعه فبعث إليه ابن الأغلب عمران بن مخلد في عساكر كثيرة وأمره أن لا يبقي على أحد منهم إن ظفر بهم‏.‏

فسار عمران والتقوا واقتتلوا وصار أصحاب حمديس يقولون‏:‏ بغداد‏!‏ بغداد‏!‏ وصبر الفريقان فانهزم حمديس ومن معه وأخذهم السيف فقتل منهم عشرة آلاف رجل ودخل عمران تونس‏.‏

ثم بلغ ابن الأغلب أن إدريس بن إدريس العلوي قد كثر جمعه بأقاصي المغرب فأراد قصده فنهاه أصحابه وقالوا‏:‏ اتركه ما تركك فأعمل الحيلة وكاتب القيم بأمره من المغاربة واسمه بهلول بن عبد الواحد وأهدى إليه ولم يزل به حتى فارق إدريس وأطاع إبراهيم وتفرق جمع إدريس فكتب إلى إبراهيم يستعطفه ويسأله الكف عن ناحيته ويذكر له قرابته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكف عنه‏.‏

ثم إن عمران بن مخلد المقدم ذكره وكان من بطانة إبراهيم بن الأغلب وينزل معه في قصره ركب يومًا مع إبراهيم وجعل يحدثه فلم يفهم من حديثه شيئًا لاشتغال قلبه بمهم كان له فاستعاد الحديث من عمران فغضب وفارق إبراهيم وجمع جمعًا كثيرا وثار عليه فنزل بين القيروان والعباسية وصارت القيروان وأكثر بلاد إفريقية معه‏.‏

فخندق إبراهيم على العباسية وامتنع فيها ودامت الحرب بينهما سنة كاملة فسمع الرشيد الخبر فأنفذ إلى إبراهيم خزانة مال فلما صارت إليه الأموال أمر مناديًا ينادي‏:‏ من كان من جند أمير المؤمنين فليحضر لأخذ العطاء‏.‏

ففارق عمران أصحابه وتفرقوا عنه فوثب عليهم أصحاب إبراهيم فانهزموا فنادى إبراهيم بالأمان والحضور لقبض العطاء فحضروا فأعطاهم وقلع أبواب القيروان وهدم في سورها‏.‏

وأما عمران فسار حتى لحق بالزاب فأقام به حتى مات إبراهيم وولى بعده ابنه عبد الله فأمن عمران فحضر عنده وأسكنه معه فقيل لعبد الله‏:‏ أن هذا ثأر بأبيك ولا نأمنه عليك فقتله‏.‏

ولما انهزم عمران سكن الشر بإفريقية وأمن الناس فبقي كذلك إلى أن توفي إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين ومائة وعمره ست وخمسون سنة وإمارته اثنتا عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام‏.‏

  ذكر ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية

ولما توفي إبراهيم بن الأغلب ولي بعده ابنه عبد الله وكان عبد الله غائبًا بطرابلس قد حصره البربر على ما نذكره سنة ست وتسعين ومائة فعهد إليه أبوه بالإمارة وأمر ابنه زيادة الله بن إبراهيم أن يبايع لأخيه عبد الله بالإمارة فكتب إلى أخيه بموت أبيه وبالإمارة ففارق طرابلس ووصل إلى القيروان فاستقامت الأمور ولم يكن في أيامه شر ولا حرب وسكن الناس فعمرت البلاد وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين‏.‏

  ذكر من خالف بالأندلس على صاحبها

وفي هذه السنة خالف بهلول بن مرزوق المعروف بأبي الحجاج في ناحية الثغر من بلاد الأندلس ودخل سرقسطة وملكها فقدم على بهلول فيها عبد الله بن عبد الرحمن عم صاحبها الحكم ويعرف بالبلنسي وكان متوجهًا إلى الفرنج‏.‏

وخالف فيها عبيدة بن حميد بطليطلة وأمر الحكم القائد عمروس بن يوسف وهوبمدينة طلبيرة أن يحارب أهل طليطلة فكان يكثر قتالهم وضيق عليهم ثم إن عمروس بن يوسف كاتب رجالًا من أهل طليطلة يعرفون ببني مخشي واستمالهم فوثبوا على عبيدة بن حميد وقتلوه وحملوا رأسه إلى عمروس فسير الرأس إلى الحكم وأنزل بني مخشي عنده وكان بينهم وبين البربر الذين بمدينة طلبيرة ذحول فتسور البربر عليهم فقتلوهم فسير عمروس رؤوسهم مع رأس عبيدة إلى الحكم وأخبره الخبر‏.‏

من باب آخر فمن دخل منهم عدل به إلى موضع آخر فقتلوه حتى قتل منهم سبع مائة رجل فاستقامت تلك الناحية‏.‏

  ذكر عدة حوادث

فيها غزا الرشيد أرض الروم فافتتح حصن الصفصاف وفيها غزا عبد الملك بن صالح أرض الروم فبلغ أنقرة وافتتح مطمورة‏.‏

وفيها توفي حمزة بن مالك‏.‏

وفيها أحدث الرشيد في صدر كتبه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحج بالناس الرشيد‏.‏

وفي هذه السنة كان الفداء بين الروم والمسلمين وهو أول فداء كان أيام بني العباس وكان القاسم بن الرشيد هو المتولي له وكان الملك فغفور ففرح بذلك الناس ففودي بكل أسير في بلاد الروم وكان الفداء باللامس على جانب البحر بينه وبين طرسوس اثنا عشر فرسخا وحضر ثلاثون ألفًا من المرتزقة مع أبي سليمان فخرج الخادم متولي طرسوس وخلق كثيرًا من أهل الثغور وغيرهم من العلماء والأعيان وكان عدة الأسرى ثلاثة آلاف وسبعمائة وقيل أكثر من ذلك‏.‏

وفيها توفي الحسن بن قحطبة وهومن قواد المنصور هو وأبوه وكان عمره أربعًا وثمانين سنة وعبد الله بن المبارك المروزي توفي في رمضان بهيت وعمره ثلاث وستون سنة وعلي بن حمزة أبوالحسن الأزدي المعروف بالكسائي المقرئ النحوي بالري وقيل مات سنة ثلاث وثمانين‏.‏

وفيها توفي مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة الشاعر وكان مولده سنة خمس ومائة‏.‏

وفيها توفي أبويوسف القاضي واسمه يعقوب بن إبراهيم وهوأكبر أصحاب أبي حنيفة‏.‏

وفيها توفي يعقوب بن داود بن عمر بن طهمان مولى عبد الله بن خازم السلمي وكان يعقوب وزير المهدي وهاشم بن البريد ويزيد ابن زريع وحفص بن ميسرة الصنعني من صنعاء دمشق‏.‏

 حوادث سنة اثنتين وثمانين ومائة

في هذه السنة بايع الرشيد لعبد الله المأمون بولاية العهد بعد الأمين وولاه خراسان وما يتصل بها إلى همذان ولقبه المأمون وسلمه إلى جعفر بن يحيى‏.‏

وهذا من العجائب فإن الرشيد قد رأى ما صنع أبوه وجده المنصور بعيسى بن موسى حتى خلع نفسه من ولاية العهد وما صنع أخوه الهادي ليخلع نفسه من العهد فلولم يعاجله الموت لخلعه ثم هويبايع للمأمون بعد الأمين وحبك الشيء يعمي ويصم‏.‏

وفيها حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل بن يحيى فماتت ببرذعة فرجع من معها إلى أبيها فأخبروه أنها قتلت غيلة فتجهز إلى بلاد الإسلام‏.‏

وغزا الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح فبلغ أفسوس مدينة أصحاب الكهف‏.‏

وفيها سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين بن أليون وأقروا أمه ريني وتلقب عطسة‏.‏

وحج بالناس موسى بن عيسى بن موسى وكان على الموصل هرثمة بن أعين‏.‏

وفيها جاز سليمان بن عبد الرحمن صاحب الأندلس إلى بلاد الأندلس من الشرق وتعرض لحرب بن أخيه الحكم بن هشام بن عبد الرحمن صاحب البلاد فسار إليه الحكم في جيوش كثيرة وقد اجتمع إلى سليمان كثير من أهل الشقاق ومن يريد الفتنة فالتقيا واقتتلا واشتدت الحرب فانهزم سليمان واتبعه عسكر الحكم وعادت الحرب بينهم ثانية في ذي الحجة فانهزم فيها سليمان واعتصم بالوعر والجبال فعاد الحكم‏.‏

ثم عاد سليمان فجمع برابر وأقبل إلى جانب إستجة فسار إليهم الحكم فالتقوا واقتتلوا سنة ثلاث وثمانين ومائة واشتد القتال فانهزم سليمان واحتمى بقرية فحصره الحكم وعاد سليمان منهزمًا إلى ناحية قريش‏.‏

وفيها كان بقرطبة سيل عظيم فغرق كثير من ربضها القبلي وخرب كثير منه ويلغ السيل شقندة‏.‏

وفي هذه السنة مات جعفر الطيالسي المحدث وعمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي مولى جهينة وكان أبوه من دار ابجرد فاستثقلوا نسبته إليها فقالوا دراوردي‏.‏

وفيها توفي دراج أبوالسمح واسمه عبد الله بن السمح وقيل عبد الرحمن بن السمح بن أسامة التجيبي المصري وكان مولده سنة خمس وعشرين ومائة وعفيف بن سالم الموصلي‏.‏

  ذكر غزو الخزر بلاد الإسلام

وفيها خرج الخزر بسبب ابنة خاقان من باب الأبواب فأوقعوا بالمسلمين وأهل الذمة وسبوا أكثر من مائة ألف رأس وانتهكوا أمرًا عظيمًا لم يسمع بمثله في الأرض فولى الرشيد أرمينية يزيد بن مزيد مضافًا إلى أذربيجان ووجهه إليهم وأنزل خزيمة بن خازم نصيبين ردءًا لأهل أرمينية‏.‏

وقيل إن سبب خروجهم أن سعيد بن سلم قتل المنجم السلمي فدخل ابنه بلاد الخزر واستجاشهم على سعيد فخرجوا ودخلوا أرمينية من الثلمة فانهزم سعيد وأقاموا نحوسبعين يوما فوجه الرشيد خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد فأصلحا ما أفسد سعيد وأخرجا الخزر وسدا الثلمة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها استقدم الرشيد علي بن عيسى من خراسان ثم رده عليها من قبل ابنه المأمون وأمره بحرب أبي الخصيب‏.‏

وفيها خرج بنسا من خراسان أبوالخصيب وهيب بن عبد الله النسائي‏.‏

وحج بالناس العباس بن الهادي‏.‏

وفيها مات موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد‏.‏

وكان سبب حبسه أن الرشيد اعتمر في شهر رمضان من سنة تسع وسبعين ومائة فلما عاد إلى المدينة على ساكنها السلام دخل إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزوره ومعه الناس فلما انتهى إلى القبر وقف فقال‏:‏ السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم افتخارًا على من حوله فدنا موسى بن جعفر فقال‏:‏ السلام عليك يا أبه فتغير وجه الرشيد وقال‏:‏ هذا الفخر يا أبا الحسن جدًا ثم أخذه معه إلى العراق فحبسه عند السندي بن شاهك وتولت حبسه أخت السندي بن شاهك وكانت تتدين فحكت عنه أنه كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه إلى أن يزول الليل ثم يقوم فيصلي حتى يصلي الصبح ثم يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ثم يرقد ويستيقظ قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر الله حتى يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة فكان هذا دأبه إلى أن مات‏.‏

وكانت إذا رأته قالت‏:‏ خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل الصالح‏!‏ وكان يلقب الكاظم لأنه كان يحسن إلى من يسيء إليه كان هذا عادته أبدا ولما كان محبوسًا بعث إلى الرشيد برسالة أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا ينقضي عنك معه يوم من الرخاء حتى ينقضيا جميعًا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون‏.‏

وفيها كانت بالأندلس فتنة وحرب بين قائد كبير يقال له أبوعمران وبين بهلول بن مرزوق وهومن أعيان الأندلس وكان عبد الله البلنسي مع أبي عمران فانهزم أصحاب بهلول وقتل كثير منهم‏.‏

وفيها توفي يونس بن حبيب النحوي المشهور أخذ العلم عن أبي عمروبن العلاء وغيره وكان عمره قد زاد على مائة سنة‏.‏

وفيها مات موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ومحمد بن صبيح أبوالعباس المذكر المعروف بابن السماك وهشيم بن بشير الواسطي توفي في شعبان وكان ثقة إلا أنه كان يصحف ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قاضي المدائن بها وكان عمره ثلاثًا وستين سنة ويوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون‏.‏

صبيح بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة‏.‏

وبشير بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة‏.‏

 حوادث سنة أربع وثمانين ومائة

وفيها ولى الرشيد حمادًا البربري اليمن ومكة وولى داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند ويحيى الحرشي الجبل ومهرويه الرازي طبرستان وقام بأمر إفريقية إبراهيم بن الأغلب فولاه إياها الرشيد‏.‏

وفيها خرج أبوعمروالشاري فوجه إليه زهيرًا القصاب فقتله بشهرزور‏.‏وفيها طلب أبوالخصيب الأمان فأمنه علي بن عيسى بن ماهان‏.‏

وحج بالناس إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي وكان على الموصل وأعمالها يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني‏.‏

وفيها سار عبد الله بن عبد الرحمن البلنسي إلى مدينة أشقة من الأندلس فنزل بها مع أبي عمران ومع العرب فسار إليهم بهلول بن مرزوق وحاصرهم فيها فتفرق العرب عنهم ودخل بهلول مدينة أشقة وسار عبد الله إلى مدينة بلنسية فأقام بها‏.‏

وفيها توفي المعافى بن عمران الموصلي الأزدي وقيل سنة خمس وثمانين‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن الخطاب الذي يقال له العابد وعبد السلام بن شعيب بن الحجاب الأزدي وعبد الأعلى بن عبد الله الشامي المصري من بني شامة بن لؤي وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي أبومحمد‏.‏

في هذه السنة قتل أهل طبرستان مهرويه الرازي وهو واليها فولى الرشيد مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي‏.‏

وفيها قتل عبد الرحمن الأنباري أبان بن قحطبة الخارجي بمرج القلعة‏.‏

وفيها عاث حمزة الخارجي بباذغيس فقتل عيسى بن علي بن عيسى من أصحابه عشرة آلاف وبلغ عيسى كابل وزابلستان‏.‏

وفيها غدر أبوالخصيب ثانية وغلب على أبيورد وطوس ونيسابور وحصر مرو ثم انهزم عنها وعاد إلى سرخس وعاد أمره قويًا‏.‏

وفيها استأذن جعفر بن يحيى في الحج والمجاورة فأذن له فخرج في شعبان واعتمر في رمضان وأقام بجدة مرابطًا إلى أن حج‏.‏

وفيها جمع الحكم صاحب الأندلس عساكره وسار إلى عمه سليمان بن عبد الرحمن وهوبناحية فريش فقاتله فانهزم سليمان وقصد ماردة فتبعه طائفة من عسكر الحكم فأسروه فلما حضر عند الحكم قتله وبعث برأسه إلى قرطبة وكتب إلى أولاد سليمان وهم بسرقسطة كتاب أمان واستدعاهم فحضروا عنده بقرطبة‏.‏

وفيها وقعت في المسجد الحرام صاعقة قتلت رجلين‏.‏

وحج بالناس فيها منصور بن محمد بن

وفيها مات عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس ولم يكن سقط له سن وقيل كانت أسنانه قطعة واحدة من أسفل وقطعة واحدة من فوق وهوقعدد بني عبد مناف لأنه كان في القرب إلى عبد مناف بمنزلة يزيد بن معاوية وبين موتهما ما يزيد على مائة وعشرين سنة‏.‏

وفيها ملك الفرنج لعنهم الله مدينة برشلونة بالأندلس وأخذوها من المسلمين ونقلوا حماة ثغورهم إليها وتأخر المسلمون إلى ورائهم‏.‏

وكان سبب ملكهم إياها اشتغال الحكم صاحب الأندلس بمحاربة عمية عبد الله وسليمان على ما تقدم‏.‏

وفيها سار الرشيد من الرقة إلى بغداد على طريق الموصل‏.‏

وفيها مات يقطين بن موسى ببغداد‏.‏

وفيها أيضًا توفي يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وهوابن أخي معن بن زائدة بمدينة برذعة وولي مكانه أسد بن يزيد وكان يزيد ممدحا جوادا كريما شجاعا وأكثر الشعراء مراثيه ومن أحسن ما قيل في المرائي ما قاله أبومحمد التميمي رثاء له فأثبته لجودته‏:‏ أحقًا أنه أودى يزيد تبين أيها الناعي المشيد أتدري من نعيت وكيف فاهت به شفتاك كان بها الصعيد

تأمل هل ترى الإسلام مالت دعائمه وهل شاب الوليد وهل مالت سيوف بني نزار وهل وضعت عن الخيل اللبود وهل تسقي البلاد عشار مزن بدرتها وهل يخضر عود أما هدت لمصرعه نزار بلى‏!‏ وتقوض المجد المشيد وحل ضريحه إذ حل فيه طريف المجد والحسب التليد أما والله ما تنفك عيني عليك بدمعها أبدًا تجود فإن تجمد دموع لئيم قوم فليس لدمع ذي حسب جمود أبعد يزيد تختزن البواكي دموعا أويصان لها خدود لتبكك قبة الإسلام لما وهت أطنابها ووهى العمود ويبكك شاعر لم يبق دهر له نسبًا وقد كسد القصيد فمن يدعوالإمام لكل خطب ينوب وكل معضلة تؤود ومن يحمي الخميس إذا تعايا بحيلة نفسه البطل النجيد لقد عزى ربيعة أن يومًا عليها مثل يومك لا يعود وكان الرشيد إذا سمع هذه المرثية بكى وكان يستجيدها ويستحسنها‏.‏

وفيها توفي محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ببغداد وعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير والمغيرة بن عبد الرحمن بن الحرث بن عياش المخزومي ويعرف بالحزامي وكان مولده سنة أربع وعشرين ومائة وحجاج الصواف وهو ابن أبي عثمان ميسرة‏.‏

عياش بالشين المعجمة والياء المثناة من تحت الحزامي بالحاء المهملة والزاي‏.‏